23‏/05‏/2012

حذار الاستراتيجيات العالمية المودية لمزيد من التوتر


الثلاثاء 15 أيار، 2012
حذار الاستراتيجيات العالمية المودية لمزيد من التوتر
تحقيق توازن القوى بشكل جوهري، فعال وواقعي، وتفعيل المواطنة الحقيقية، هو المفتاح للقضاء على الإمبريالية الجديدة بكل أشكالها.
افتتاحية بقلم توني كارتلوشي

15 أيار 2012 - بعد دفع القلة الرأسمالية (الأوليغارشية) الحاكمة في الغرب لمدة عام نحو إعادة ترتيب العالم جيوسياسيا في شمال أفريقيا والشرق الأوسط ووسط وجنوب شرق آسيا، انقسم العالم إلى معسكرين رئيسيين. الذين يقفون وراء الغرب، أو ما يسمى "إجماع واشنطن - لندن" وأولئك الذين يقفون وراء ما يمكن وصفه بأنه تحالف من أمم بلدان بريكس و منظمة شنغهاي للتعاون (
SCO). من الناحية المثالية، ما يمثل قوى تواجه الغرب لمطالبته بإعلان نظام عالمي متعدد الأقطاب مبني على التعاون والمصالح المتبادلة، والحفاظ على المفهوم التقليدي للدولة القومية بدلا من دولة واحدة خاضعة لهيمنة الإمبريالية الجديدة و توحيد العالم تحت سلطة رأسمالية أوليغارشية واحدة متخطية للحدود الوطنية.
ومع ذلك، من الواجب على شعوب العالم بصورة عامة الاعتراف بالفساد والاحتكارات، والإمبريالية بكل أشكالها، بغض النظر عن الراية التي تعمل في ظلها (انتمائها) وعليهم توخي الحذر أكثر من أي وقت مضى لمواجهة هذه المخاطر. في حين ينظر المحللون الجيوسياسيون اليوم لمجموعة بريكس ولمنظمة شانغهاى للتعاون على أنها ضرورية للحفاظ على توازن القوى متعدد الأقطاب في مواجهة الغرب، فإن مخاطر إستراتيجية التوتر المولدة لتكتلات مركزية غير وطنية بشكل متزايد "التي تقف في مواجهة بعضها البعض" قد ترك الغلبة لمن لديهم القدرة على تنفيذ استبداد عالمي على نطاق أوسع من ذلك.

 صورة: أحد الصواريخ النووية الروسية. من المؤكد أن التدمير المتبادل – الذي هو الحصيلة النهائية لتوازن القوى – هو الذي حال دون اندلاع الحرب الكارثية بين الشرق والغرب. وتحقيق توازن القوى، الذي يشكل الرادع في مواجهة العدوان والاستغلال والذي تمت دراسته لآلاف السنين من قبل المختصين، وهو الموضوع الذي خبرته النخبة العالمية. وعلى الجماهير أيضا أن تتعرف على هذه المفاهيم وتقوم بصياغة وسائلها الخاصة لموازنة القوة محليا و وطنيا للحفاظ على قوى ردع على حد سواء في مواجهة القوى الأجنبية والمحلية التي تسعى للسيطرة من خلال استغلال الاقتصاد والمجتمع و التفاوت التقني. (المصدر: ويكيبيديا)
....
في جميع أنحاء العالم، يجب أن يبدأ الناس بتحديد المصالح الخاصة الوطنية والدولية، ورفضها جميعها تماما. كما يجب عليهم أن يبدؤوا بوضع البدائل المحلية من خلال الاستفادة من التكنولوجيا والتعاون حيثما كان ذلك ممكنا، وإدراك أن القومية، الإقليمية، والحدود بشكل عام تمثل حواجزا واقية لا يمكن الاستغناء عنها لوقف انتشار سوء استخدام القوة والاستغلال والعدوان العسكري، والفساد بجميع أنواعه، والخلل بشقيه الاجتماعي والمالي.

مثل أسطول من السفن المنفصلة، تكون الدول القومية على امتداد العالم قادرة على التعاون، والتواصل، والتحالف بشكل فعال " يسافرون معا" عندما يرغبون، لكنهم يحتفظون بخيار تغيير المسار لتجنب التصادم، و "تطويق" الأجزاء داخليا لمنع حفرة واحدة من تهديد السفينة بأكملها.  التعاون العالمي، والتواصل، والتحالف لا يحتاج إلى "العولمة" ومن السخافة الربط بينهما فذلك يترك جميع الدول عرضة للاعتداء والخطر عند التداعي المنفرد لأي مكون وحيد منه أو في حال تعثر وفساد المؤسسات المركزية للعولمة. نحن لا نحتاج إلى الاختيار بين "الانعزالية" و "العولمة"، يمكننا الالتقاء في منتصف الطريق بينهما، والتمتع بفوائدهما على حد سواء، التي تمنحها لنا الدولة القومية الحديثة والدبلوماسية التقليدية، في حين نحتاط ضد المخاطر المحتملة لكل خيار منهما كل على حدة.

هناك حاجة لترسيخ حس المواطنة المسؤول الفعال واليقظ  
يجب على العالم القيام بعملية توازن دقيق لضمان كبح جماح الطغمة الأوليغارشية الرأسمالية الغربية ، أو العودة المثالية إلى الوراء، مع ضمان عدم خلق بديل لها (من صنفها يحل محلها) في هذه العملية بسبب تسرعنا أو حماستنا. يتطلب قيام توازن قوى دولي متعدد الأقطاب أن تكتسب كل دولة قومية وتطور بشكل مستمر وتحافظ على درجة معينة من الاستقلال في مجال الاقتصاد والدفاع. يتطلب تحقيق هذا التوازن داخل الدولة ومحافظاتها الحفاظ على درجة معينة من الاستقلالية فيما بين الأفراد ومجتمعاتهم. ويمكننا أن نفعل كل شيء لتعزيز هذه الاستقلالية الفردية والوطنية، بدءا بامتلاك مسؤول للأسلحة النارية، وتنمية الحدائق ورعاية الشركات المحلية والصناعة، وتعلم التجارة، و ببساطة تعلم كيفية التنظيم والعمل مع جيراننا لحل مشاكلنا الخاصة.
بينما نواجه المشاكل العالمية الضخمة والساحقة، الناجمة عن القوى العالمية المتجانسة - يتم تغذية هذه القوى من قبل كل واحد منا على حدة عندما ندفع إلى الشركات المتعددة الجنسيات ومؤسساتها وقوانينها وتنظيماتها. إذا أمكن لعملنا الجماعي أن يخلق و يفاقم هذه المشاكل، فبالتأكيد يمكنه حلها.
التفاوت هو الذي يستخدم لبيع وترويج العولمة؛ التفاوت في المناخ، في الموارد الحالية داخل حدود معينة، جودة وثقافة قوى عاملة محددة، والتفاوت بين الأمم في قدرتها على الدفاع عن أنفسها. كل هذه العوامل التي تحكم شكل العولمة المسيطر، بما في ذلك كل فوائدها المفترضة والاستغلال المتتالي الذي تخلفه وراءها. قيل لنا إن العولمة التي هي علاقات مترابطة تحكمها مؤسسات دولية مركزية تمثل مفاتيح الحل لهذه التباينات. هذا ليس صحيحا.
أبدا لم ولن تحل السياسة مشاكلنا كجنس بشري. بدلا من ذلك، بالبحث والتطوير التكنولوجي والابتكار والاختراع، والاستثمار في الدفاع والبنية التحتية، والتعليم يمكننا التقليل أو القضاء على هذه الفوارق جميعها معا، وخلق مجتمعات أقوى وبدورها تنتج دولا قومية أقوى تمكننا من ردع العدوان والاستغلال على حدودنا. التجارة والتعاون مع الجيران، يصبح إضافة للدولة الوطنية المستقلة والقوية، وليس بالضرورة وبالتأكيد عبئا في وقت الأزمة.
يجب أن نسأل ممثلينا المنتخبين لماذا لم يجري اتخاذ هذه التدابير الواضحة لمعالجة هذه الفوارق. لماذا نستغل القوى العاملة ضعيفة التعليم للحصول على اليد العاملة الرخيصة بدلا من الاستفادة من التكنولوجيا والتعليم لخلق نفس المنتجات محليا، بمواصفات أفضل وأرخص؟ لماذا نستورد بعض السلع بدلا من استنباط طرق جديدة لإنتاجها محليا؟ لماذا نكافح للحصول على الوقود من الخارج بدلا من بذل جهد جدي لتطوير بدائل في الوطن؟ يمكن للأسئلة أن تستمر قدما إلى ما لا نهاية، والتي توضح الكيفية التي تم بها بيع العولمة على أنه الحل الجاهز لمشاكل مصطنع ودائمة. وهي توضح أيضا ضرورة أن يقوم الناس العاديون بمقاطعة الشركات والمؤسسات التي تديم هكذا سياسة خاطئة، وابتكار الحلول بأنفسهم.


الصورة: نيل غيرششينفيلد من مشروع "مختبر فاب" لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذي يسعى لتوفير تكنولوجيا التصنيع الحديثة إلى الناس في جميع أنحاء العالم من أجل حل المشاكل المحلية باستخدام الحلول التكنولوجية المحلية. مختبرات فاب و " صانع مساحات " "maker spaces"  تنشط في المجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم، وتضع حرفيا وسائل الإنتاج في أيدي الجماهير، وهي مكان جيد لبدء الأشخاص المهتمين بتنظيم أنفسهم محليا، وتبادل المعارف، والتعاون في المشاريع التي تفعل التكنولوجيا بما يعود بالنفع على الجميع. لا يحتاج توازن القوى لأسلحة الدمار الشامل أو الانتفاضات العنيفة – يستطيع السكان المثقفون والمستنيرون والمؤهلون تقنيا والمكتفون ذاتيا أن يجوعوا قوى النخبة الطفيلية ويزيلوها من الوجود.
....
من الجوهري اليوم أن نختبر ونتفحص حالة من التكنولوجيا الحديثة، من الاتصالات والتعليم، وصولا لتكنولوجيا التصنيع، لنرى ما الذي يمكن له أن يفيد الناس على المستوى المحلي بحيث لا تتمكن المجتمعات فقط من وضع برامجها الخاصة لمعالجة مشاكلها، ولكن أيضا حتى يتمكنوا من البدء في إنجاز وتحقيق الحلول بشكل جيد بالاعتماد على أنفسهم. كلما ازدادت قوة المجتمعات، ستزداد قدرتها على التأثير في عملية التغيير الإيجابي على الصعيد المحلي وعلى الصعيد الوطني  وصولا إلى ترسيخ توازن القوى.
المطالبة بالتغيير من موقع الضعف، ودون حيازة الوسائل الضرورية للحفاظ على وجود المرء بدون الشركات، والمؤسسات، والحكومات التي يجري طلب التغيير منها، هو أمر غير متاح (يتعذر تحقيقه) من الناحية الإستراتيجية. من الواجب على الأفراد والمجتمعات المحلية أن تعمل على بناء قدراتها الذاتية في مجال التعليم، والاقتصاد، والسياسة، وقدرتهم على توفير النظام والأمن الملائم لهم (من خلال البنى الدستورية الفعالة على سبيل المثال). فقط عندئذ يمكن للشعب امتلاك قوة الردع الكافية لمواجهة الاستغلال، وكذلك امتلاك الرافعة اللازمة لتحقيق المطالب أو ببساطة تحقيقها من تلقاء أنفسهم حسبما يرغبون.

 خاتمة (استنتاج)
هناك بالفعل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. وهناك وجود غير رسمي لاتحاد أمريكا الشمالية وللشراكة عبر الأطلسي. وهناك المبرر لكل من الصين وجنوب شرق آسيا الصاعدة لتشكيل كتلة آسيان الغير حكيمة، التي تسعى لاستكمال مؤسساتها على نمط الاتحاد الأوروبي، وعلى استعداد لتفشل تماما بشكل مذهل على حد سواء سياسيا واقتصاديا. حتى منظمة شنغهاي للتعاون تأتي معها إمكانات لتعزيز جبهة "الجانب الآخر" من العالم في نموه العابر للحدود الوطنية (الشركات متعددة الجنسيات).
ويجب إبلاغ الناس أنفسهم عن الاختلافات بين التعاون الدولي، وبين ربط سفنهم معا بتهور بينما تحتوي ثقوبا لا تحجز الماء في هياكلها. بشكل عام، يتم تنسيق هذه الهزيمة الذاتية بوساطة عناصر قرصنة يسيطرون على هذه الاتحادات ويعملون على إزالة العوائق المحتملة للنهب اللاحق – تماما كما تفعل البنوك حاليا في أميركا وأوروبا مع الدول القومية الغربية.
لم يكن ارتفاع حدة التوتر مؤخرا مع ممثل روسيا نتيجة لصعود القوة العظمى لروسيا في هذا الوقت، ولكنه كان بسبب تصاعد "كتل القوة العظمى".  يجب علينا التأكد من أننا لا ندخل بوضع إستراتيجية التوتر الذي يتركنا جميعا بشكل رهيب تحت رحمة المنتصر القوي والمتخطي للحدود الوطنية، سواء كان الشرق أو الغرب. يجب على التحالفات التي تشكل لمناهضة الفاشية أو لمناهضة الإمبريالية أن تقدم الضمانات المناسبة التي تؤكد أن نظاما عالميا متعدد الأقطاب سوف يسود، وسيقوم بتعزيز الدولة القومية والاستقلالية، وليس تقويضها.
في الوقت نفسه، لا بد لنا كأفراد من تحقيق مصائرنا بأيدينا، واستعادة المسؤوليات المطلوبة لتحقيق المواطنة الحرة التي امتلكناها منذ فترة طويلة مضت والتي قايضنها بوسائل الراحة التي توفرها الاحتكارات بجميع أنواعها. فكما كان إهمالنا الجماعي هو السبب الذي أدى إلى وجود عالم متفاوت على هذا الشكل - لا بد أن يقوم عزمنا الجماعي بتصحيح هذه التباينات.

وهذا هو رابط المقال الأصلي

ترجمة أيهم اسماعيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Translate